- 4916095470403+
- board@dadd-initiative.org
النعامة الأخيرة
مبادرة ض – قصص مؤلفة

- التصنيف: خيال
- عدد التحميلات : 50
- نوع الملف: PDF
- تأليف: عباد ديرانية
وصف القصة
“رحلة التحدي والطموح: استكشاف قصة “النعامة الأخيرة
الوصف:
تغوص قصة النعامة الأخيرة في عالم خيالي يتألق فيه الذكاء والإصرار، حيث تكشف عن أن القوة الحقيقية تكمن في التخطيط والثقة بالنفس.
المقدمة:
في غابة تحكمها قوانين الغابة الصارمة، تعيش “النعامة الأخيرة” بطبيعتها البطيئة والقدرة المحدودة على الطيران. غير أن حادثة غير متوقعة تدفع هات هذا الطائر إلى اكتشاف قدرة جديدة أو فكرة ذكية تتخطى بها الحدود المتوقعة. فما هو هذا اللغز الذي واجهته؟ وما هو السر الذي اكتشفته؟ دعينا نأخذك في رحلة إلى داخل عقل هذه النعامة النابغة، لنكشف معًا عظمة الذكاء في أبسط المظاهر.
نبذة عن القصة:
قصة النعامة الأخيرة تحكي عن طائر يرى نفسه ضعيفًا، ليكتشف أن ذكاءه هو ما يميّزه ويمنحه القوة الحقيقية.
القصة
قصة للطفولة المتأخرة أو الناشئة (9-12 سنة)

سارتْ نعامةٌ وحيدة في صحراءٍ قاحلة «كانت تنزعج هذه النَّعامةُ حينما
يرمُقها النَّاس باستغرابٍ وهيَ تسيرُ في الصَّحراء الجرداء، وكأنَّهم لا يعرفون
أن النَّعام يعيشُ في الصَّحارى، فلا تكنْ من هؤلاء».
لمْ تكنْ تشربُ هذهِ النَّعامةُ إلَّا قليلاً منَ الماءِ، إذْ إنها لا تتجرَّع منهُ في
الأسبوعِ أكثرَ ممَّا يتَّسعُ في كأس، وكانَ هذا الماءُ القليلُ ينعشُها كي تثِبَ
فوقَ رمالِ الصَّحراء الحارَّة صباحاً والباردةِ ليلاً، لكنَّ ريقها في هذا اليوم
كانَ جافًّا جِدًا، إذْ مضى عليها أكثرَ بكثيرٍ من أسبوع دونَ أيِّ ماء.
فترنَّحت تحتَ وطأةِ الشَّمس، حتَّى قرَّرت التوقُّف عنِ المسيرِ إلى أن يحلَّ المساء ويبردَ الجوُّ.

لمْ تكدْ تتوقَّف في مكانها حتَّى سمعتْ صوتاً أشبه بمن ينادي على الماء،
فالتفتت بكلِّ شوقٍ وحماس!
قالَ الصَّوت منْ خلفها: مااااء.
رأتِ النَّعامة خلْفَها نعجةً صغيرةً اتَّسخَ صوفها الأبيض بالتُّرابِ فأصبحَ بنيَّاً.
وكانتْ تصدرُ النَّعجة -على عادتها- صوتَ المأمأة، الذي يشبهُ
منْ ينادي على الماء.
قالتِ النَّعامةُ باستغراب: ماذا تفعلُ نعجةٌ صغيرةٌ وحدها هنا؟
قالتِ النَّعجةُ: وماذا تفعلين أنتِ؟ لمْ أكنْ أعرف أنَّ النَّعام يعيش في الصَّحراء!

قالتِ النَّعامةُ بحنق: كيف لا تعرفين أن النَّعام يعيشُ في الصحراء؟
قالتِ النَّعجةُ: لأني لم أرَ نعامةً هنا أبداً.
قالتِ النَّعامةُ: ومن أين تعرفين النَّعامَ إذاً؟
قالتِ النَّعجة: كانتْ والدتي تقول لي: «لا تكوني كالنَّعامة، فإنَّها خُلِقَتْ
بجناحين لكنها أبتِ الطَّيران، وأمَّا أنتِ فخُلِقْتِ ليرعاك الإنسان،
فلا تأبي رعايته».
قالتِ النَّعامة: غيرُ صحيحٍ أنَّنا نأبى الطَّيران، فأجنحتنا صغيرةٌ ولمْ تُخْلَق
لنطير بها! ثمَّ إننا نعدو أسرعَ منْ كلِّ الكائناتِ ولو لم نكُن نطير.

ثم نظرت النَّعامةُ حولها ولمْ ترَ سوى النَّعجة، فقالتْ: وأين هذا الكائنُ
الَّذي يرعاك لو صحَّ ما تقولين؟
قالتِ النَّعجة: ماتَ ظمأً، فلمْ يبقَ سواي.
شعرتِ النَّعامة بالأَسى على النَّعجة الوحيدةِ، فسألتها لو كانتْ تريدُ البحثَ
عنِ الماءِ برفقتها، وقالت النَّعجةُ إنَّها تعرفُ أينَ الماء؛ لأنَها رأتْ انعكاسهُ
في الأفقِ منذُ ساعاتٍ، لكنَّه بعيدٌ جدَّاً، حتَّى أنَّها تشعرُ بأنَّه يبتعدُ عنها
كُلَّما سارتْ نحوهُ. نظرتِ النَّعامةُ أمامها بسعادةٍ بحثاً عن هذا الماء،
لكنَّها لمْ ترَ شيئاً.
قالت النَّعامة: هذا ليس إلَّا سراباً تتوهّمينه. قالت النَّعجةُ: وكيفَ تعرفين السرابَ من الماء؟ لم تدر النَّعامة جواباً.

في تلكَ اللحظةِ قالَ صوتٌ ثخينٌ وساخر بجانبهما: الفرقُ بين الماءِ والسَّرابِ،
كالفرقِ بين الطَّائرِ الذي يطير، والَّذي لا يعرفُ الطَّيران.
رأتِ النَّعامةُ والنَّعجةُ جملاً مرتفعَ القامةِ، وكبيرَ السَّنامِ يقفُ على قمَّة
كثيبٍ رمليٍّ، وقد كُبِّل ظهرهُ بعشرِ حبالٍ متشابكةٍ تربطُ حقائبَ وأكياساً،
حتَّى بدَا وكأنَّه مدفونٌ بين كومةٍ منَ الأحمالِ، لم يظهرْ بينها إلَّا رأسهُ ورقبتهُ.
قالتِ النَّعامةُ تدافعُ عنْ نفسها: لكنَّ الأمرَ ليس
أنَّنا لا نعرف، بلْ أنَّ الله خلقنا لنسيرَ مثلك.
قال الجملُ المغرورُ: وكيفَ جئتِ إلى هذهِ الصَّحراء؟
لم أسمع بأنَّ النَّعامَ يعيشُ في الصَّحراء!

كانتِ النَّعامةُ تصرُّ علَى أسنانِها غضباً، لولا أنَّ منقارها – كسائر الطُّيور-
لا أسنانَ فيهِ، فصاحت تقولُ: كُنَّا -نحنُ مَعْشَرَ النَّعام- نعيش دوماً
في هذه الصَّحراء، حتَّى أنَّك كنتَ ترى أسراباً منَّا تعدو بينَ كثبانِ الرِّمال هذه.
وقال الجملُ بسخرية: صحيح، فأنتم «طيور» تعدو ولا تطيرُ.
تابعتِ النَّعامة دونَ اكتراثٍ به: لكنَّ كائناً شرِّيراً اصطادَ أسرابنا وسرقَ
بيوضنا ليتَّخذَ منها طعاماً له، ولمْ أبقَ إلَّا أنا من قومي جميعاً،
فأنا النَّعامة الأخيرة.
أشفقَ الجملُ على النَّعامة حينما
سَمِعَ هذا الكلام، فلم يتابعِ السُّخرية منها.

سألتِ النَّعجة الجملَ:
ولماذا دفنتَ نفسك
تحتَ هذه الأحمال الثَّقيلة أيُّها الجمل؟
قالَ الجملُ بأسى: لم أخترْ أنا حملها،
بل إنَّ كائناً مستغلَّاً حمَّلني هذهِ الأثقالَ
ليرتاحَ ظهرهُ وأتعبُ أنا بدلاً عنهُ،
ثمَّ ضعتُ عنه وعنْ أصحابي في
عاصفةٍ رمليَّةٍ عاتية.
تساءلتِ النَّعجةُ والنَّعامةُ من يكونُ هذا الكَائنُ الذي يستغلُّ الجملَ، ويلقي على ظهرهِ بالأثقال!

أمَّا الجملُ فقد تظاهرَ بنسيانِ حزنهِ وقال بفخرٍ وغرورٍ:
لكنَّهم لا يلقِّبونني عبثاً «سفينة الصحراء»، فأنا قويٌّ لا أعبأُ بالأحمالِ
ولا بالصِّعابِ مهما كانتْ، وراحَ يجري على الكَثيب الرمليِّ وكأنَّه
عدَّاءٌ يجري فوقَ أرضٍ منبسطةٍ، فذُهِلَت النَّعامة والنَّعجة
من قوَّة جسدهِ الذي يرفعه بكلِّ سهولةٍ من الرِّمال الَّتي تغرق
فيها سيقانهما، وطلبتا منهُ مرافقتهما في رحلتهما للعثورِ على الماء.
سارَ الثَّلاثة معاً يبحثون بين الرِّمال والحَصى والجبالِ الجرداء،
عمَّا يَروي ظمأَهم أو يملأُ بطونَهم.

غابتِ الشَّمسُ الحارقةُ وجاءَ المساءُ شديدُ البرودة، كمَا هي الحالُ في الأرضِ الخلاءِ
الَّتي ليس فيها حاجزٌ يقي من شمسِ النهارِ ولا منْ رياحِ اللَّيل، وترصَّعتِ السَّماءُ
بالنجوم والكواكبِ، لكنَّ المسافرينَ الثلاثةَ لمْ يعبؤوا بالنُّجومِ الجميلة،
بلْ شغلهمْ عنها عطشُهم وجوعُهم وإرهاقُهم.
بينما كانَ الثلاثةُ يعتلونَ أَحدَ الكثبان، سمعوا أمامهم صوتاً ضعيفاً يقول: ماء! ماء!
جروا جميعاً نحو سفحِ الكثيبِ حتَّى كادوا يتدحرجونَ فوقهُ،
ولكنَّهم لمْ يروا شيئاً، ثمَّ انتبهوا إلى شخصٍ متدثِّرٍ بعباءةٍ سوداءَ،
استلقى على الأرضِ بينِ أقدامهم، وكأنَّهُ جثَّةٌ هامدة.

رفعَ الرجلُ رأسهُ، وهو يقولُ بصوتٍ متهدج: الحمدُ لله، لقدْ نجوت! أنقذوني يا قوم!
أحتاجُ ماءً. ثمَّ رأى الحيوانات الثلاثةََ الَّتي أحاطتْ بهِ، فقال: “يا لتعاستي!
إنها ليستْ إلَّا بهائمُ شاردة، سأموتُ عطشاً ها هنا.
حينَها تبينُ الحيواناتُ الثَّلاثُة ملامحَ الشَّخص المُلْقَى به على الأرضِ،
فأردكوا أنَّه من بني الإنسان.صاحتِ النَّعامة تقول:
هذا هو الكائن المجرمُ الَّذي قتل قومي.
وقال الجمل: هذا المُستغلُّ الَّذي ألقى بكلِّ الأحمالِ الثَّقيلة فوق أكتافي.
وقالت النعجة: حمداً لله، هذا الإنسانُ المحبُّ الذي يطعمني ويهتمُّ بي.

تبادلوا النَّظرات جميعاً، فقالتِ النَّعامة: دعوني أعاقبهُ على جرائمهِ
بحق النَّعامات كافة. وقال الجمل بتكبُّره المعتاد: لا أكترث بما يحلُّ به.
أما النَّعجة فانتفضتْ لتقفَ بين النَّعامة والإنسانِ قائلة: كلَّا، لن تمسُّوه بأذى،
فهذا صديقي وراعيَّ. بقي الثَّلاثة يتجادلونَ على هذه الشَّاكلة شطراً من الليل،
فكُلَّما قالتِ النَّعامة شيئاً عن شرور الإنسان هبَّتِ النَّعجة تردُّ عليها
لتذكِّر بخيرهِ معها، وأمَّا الجملُ فقد ظلَّ يؤكِّد على أنَّه لا يهتمُّ أبداً بما
يَحِلُّ بهذا الشَّخص، ولكنَّه كان تارةً يتذكر لطفَ الإنسان معهُ في بعضِ الأوقات فيؤيِّد كلامَ النَّعجة، وتارةً تتعبُ سيقانهُ تحتَ حملهِ الثَّقيلِ فيؤيِّدُ كلامَ النَّعامة.

طلعتْ شمسُ الفجرِ على الحيواناتِ الثَّلاثة هكذا، حينها تنبَّهوا أنَّ إنساناً
جديداً جاءَ ووقفَ بينهم إلى جوارِ الرَّجل الَّذي كان مستلقياً على الأرض
ويطلبُ الماء. كانَ هذا الرجل الثَّاني بدويَّاً من أهل المنطقةِ يعرف طريقهُ
فيها، ويحملُ معهُ قربة كبيرةً مملوءةٌ بالماء، التفتتْ نحوها أنظارُ الجميع.
أعطى البدويُّ صاحبَ العباءةِ السوداءَ (الذي تمدَّد على الأرض دون حراك)
جرعةً منَ الماء، فدبَّتْ الحياةُ في هذا الأخيرِ، ونهضَ من مكانهِ لأوَّل مرَّة
منذُ ساعاتٍ. قالَ البدويّ: ما بالُ هذه البهائم؟ إنها تخورُ وتمورُ حولكَ
منذُ الفجرِ؟ ظننتُها تترحَّم عليكَ.
قالَ الرَّجل الأولُ: قد تتَّهمني بأنِّي أهذي، لكنِّي والله شعرتُ وكأنَّها تخوضُ
جدالاً محتدماً عنْ موضوعٍ من المواضيعِ طوالَ اللَّيلِ.
نظرَ الرَّجلان نحو النَّعجةِ والنَّعامةِ والجمل، الَّذين توقفوا توَّاً عن الجدالِ،
وعمَّ بينهم هدوءٌ مفاجئٌ لم يَسُدِ المكانَ منذ بدايةِ اللَّيل.
قالتِ النَّعجةُ: لماذا لا يفهمُ الإنسانُ كلامَنا؟
قالت النَّعامةُ: لأن النَّاس كلُّهم حمقَى. قال الجملُ: ولا يُفترضُ أنْ تفهمَ النَّعامةُ كلامَ الجملِ، ولا النَّعجة كذلك، لكنْ للقصَّةِ أحكامها.

تحدَّث الرَّجلان عن ضياعهما في الصَّحراء، وعنِ الجوعِ والعطشِ الذي
كادَ يودي بحياة أحَّدِهما، وعن مخاطرِ الحياة في الأرضِ القاحلةِ،
واتَّفقا على طريقٍ قدْ يخرجان فيها منَ الصَّحراء، وأخيراً تساءَلا عمَّا يجبْ
أن يفعلاهُ بالحيواناتِ الَّتي برفقتهما. تساءلَ صاحبُ العمامةِ السَّوداء:
منْ أينَ أتتْ هذه النَّعامة؟ لم أكن أدري أن النَّعامَ يعيش في الصَّحراءِ.
وكادتِ النَّعامةُ تجري نحوَ قائلِ هذا الكلام لتركلهُ بساقها القويِّة غضباً
من جهلهِ، لكنَّ البدويُّ ردَّ عليهِ قائلاً: لطالمَا كانَ النَّعامُ يعيشُ
في الصَّحراءِ، لكنَّ أجدادنا اصطادوه حتَّى انقرضَ. فسألهُ صاحبهُ: انقرضَ؟!
فقالَ البدويُّ: الانقراضُ هو «أنْ يموتَ آخرُ فردٍ من أفرادِ أحدِ الأنواعِ الحيَّةِ»، ومنْ يدري، لعلَّ هذهِ هي النَّعامةُ الأخيرةُ في الصَّحراءِ، فلمْ نَعُد نرى النَّعام هُنا منذُ عشراتِ السِّنينِ.

أشفقَ البدويُّ على النَّعامة الَّتي قَتل النَّاسُ سائرَ بني جِلدَتها،
فأخرجَ شيئاً من جيبهِ واقتربَ منها.
ظنَّتِ النَّعامةُ أنَّ الرَّجلَ يريدُ صيدهَا، فاستعدَّتْ لمهاجمتهِ
بمنقارِها وساقِها، أدركَ البدويُّ نيَّتها، فرفعَ يديهِ لترى أنَّه أعزلْ،
ورمى لهَا على الأرضِ حبَّاً منَ القمحِ كان يُخبِّئهُ في يدهِ.
انتظرتِ النَّعامةُ البدويَّ حتَّى ابتعدَ ثمَّ التقطتْ بضعَ حبَّاتٍ
منَ القمحِ بمنقارِها، وشعرتْ حينَها براحةٍ عظيمة لأنها تخلَّصتِ
منَ الجوعِ الشَّديد الَّذي قاستهُ طويلاً، وفكَّرت وقتَها بأنَّ الإنسانَ
قدْ يصنعُ الخيرَ وليسَ الشَّر فحسبْ.

ذهبَ البدويُّ نحوَ الجملِ ليتفقَّدَ ما علَى ظهرهِ منْ أحمالٍ هائلةٍ،
فوجدَ أنْ مُعظمَ ما حُمِّل بهِ هو بضائعَ مهترئةٍ، آثرَ صاحبهُ السَّابقُ
تحميلَها طمعاً ببيعها لقاءَ سِعرٍ بَخْسٍ، وأنَّ هذهِ الأحمالَ كانتْ ثقيلةً
إلى درجةٍ أنَّها تركتْ خطوطاً حمراءَ على ظهرِ الجملِ وجلدهِ.
أنزلَ البدويُّ الأثقالَ كُلَّها وأرخَى الحِبال الَّتي كانت مشدودةً على ظهرِ
الجملِ، فشعرَ هذا براحةٍ عظيمةٍ لمْ يحظَ بها منذُ أيَّام، وراحَ يأكلُ من
القمحِ -مثل النَّعامة- بسعادةٍ، فتذكَّر لُطْفَ الإنسان معهُ، واهتمامهُ براحتهِ
بعد الرَّحلات الطويلةِ والمتعبةِ.
لم تحتجْ النَّعجة إلى تذكيرٍ، فقدْ هبَّتْ نحو البدويُّ ترقصُ تعبيراً عن سعادتِها بلقائه، وفي تلكَ اللَّحظةِ أخرجَ صاحبُ العباءة السَّوداء مسدَّساً كانَ في حزامهِ وصوَّبهُ نحوَ النَّعامةِ، وصدرَ دويُّ طلقةٍ ناريَّةٍ، وعمَّ المكانُ دخانٌ أسودٌ.

عدتِ النَّعجة بعيداً في خوفٍ من الصَّوت الصَّاخب والطَّلقةِ المرعبةِ،
وهالها أنْ يحاولُ النَّاسُ قتلَ النَّعامةِ بعدَ أنْ أظهروا لها الرِّفْق واللُّطفَ،
وشعرتْ بأنَّ الإنسان قدْ يكونُ خطراً وشريراً.
حينما انقشعَ الدُّخان لمْ يرَ أحدٌ النَّعامةَ، ولكنَّ البدويٌّ كانَ يمسكُ بذراعِ
الرَّجلِ الَّذي أطلقَ النَّار، فقد أنقذَ النَّعامةَ بتصويبِ المُسدَّس نحو الأرضِ.
قالَ الرَّجل الذي أطلقَ النَّار: ماذا حدثْ؟
قالَ البدويُّ: أنقذتُ النَّعامةَ من طلقتك، ففرَّت هاربةً بسرعتِها الخاطفة.
ردَّ عليه صاحبهُ غاضباً: لماذا فعلتَ ذلك؟
كانت هذه النَّعامةُ صيداً ثميناً يساوي مائة درهم.قالَ البدويُّ: كانَ يُفكِّر مثلكَ كلُّ من اصطادَ النَّعامَ قبلكَ، ولهذا لم يبقَ في الصَّحراء نعامٌ، فكان اختفاؤها خسارةً للنعام وللناسِ على حدِّ سواءٍ، ولو أنقذنا هذه النَّعامة وسمحنا لها أن تجدَ غيرها منْ بني جلدتها، فربَّما يرجع النَّعام ليسكنَ الصَّحراءَ ذاتَ يومٍ.
اتَّجه الرَّجلان مع الجملِ والنَّعجة إلى واحةٍ قريبةٍ كان يعرفها البدوي، وحصلوا جميعاً على ما يحتاجونه من ماءٍ وطعام. وفي صباح اليوم التَّالي أطعما النَّعجة، وحمَّلا بضائعهما على ظهرِ الجمل، وانطلقوا إلى وجهتِهم معَ حيواناتِهم كمَا هيَ سُنَّة الإنسان.
أمَّا النَّعامة فقد استمرَّت في ترحالها بحثاً عنْ بني جنسها، عارفةً أن منَ النَّاس من يُضْمِرُ لها الشَّر ويسعى لصيدِها، وأنَّ منهُمْ -كذلك- منْ يرغبُ في حمايتِهَا وخيرِها.
مُلْحَق للقصّة (للآباء)
العبرة من هذه القصة بسيطة، وهي إظهار الاختلاف بين المخلوقات والتفاوت في وجهات النظر، إذ إن الحُكْم على “الخير” و”الشر” و”الحق” و”الباطل” كثيراً ما يكون قائماً على اختلاف تجارب الناس مع بعضهم كما اختلفت تجربة الحيوانات الثلاثة في القصة (وليس من الناس -والله أعلم- إلا من له محبّون وكارهون بناءً على اختلاف تجاربهم معه وأفكارهم نحوه ونحو سائر الأمور). ولكن لموضوع القصة وشخصياتها هدفاً تربوياً وعلمياً كذلك، وهو تعريف القُرَّاء الناشئين ببيئة الحياة العربية التقليدية ومخلوقاتها، فالنعامة التي يَرِدُ ذكرها في القصة على أنها “النعامة الأخيرة” هي تصويرٌ خياليٌّ لنوع حقيقي من النعام عاشَ بأعدادٍ كبيرة في صحارى الجزيرة العربية وبادية الشام، وكانت تُسمَّى “النعامة العربية”، وكان يعتبر ريشها من أفخم الخامات في العالم الإسلامي والأوروبي، ولكنها أمست هدفاً للصيد الجائر بعد اختراع الأسلحة النارية ومركبات الوقود، ولذلك اختفت من معظم بلاد العرب في بداية القرن العشرين، وماتت آخر نعامة معروفةٍ منها في عام 1966، فآلت إلى الانقراض. وتُحيي هذه القصّة ذكرى هذه النعامة المنقرضة وتُعرِّفُ الطفل العربي بها وبغيرها من كائنات الصحراء التي تفاعل معها العرب في الماضي والحاضر.
الخلاصة
موضوع القصّة هو عن نعامة ونعجة وجمل يضيعون في الصحراء أثناء موسم الجفاف، ويبحثون عمَّا يروي عطشهم وجوعهم من ماءٍ وطعام. يتبادل هؤلاء الحيوانات قصصهم أثناء سيرهم، فيتبيَّن أن لهم -جميعاً- علاقةً بكائنٍ قوي يسكنُ الصحراء، وأن هذا الكائن تفاعل مع كلِّ منهم بطريقة مختلفة، فاصطاد قوم النعامة حتى لم انقرضت أو كادت، استغلَّ الجملَ لنقل أحماله الثقيلة من مكانٍ إلى مكان، وأما النعجة فقد اهتمَّ بها ورعاها في علاقة تكافلية.
من هو هذا الكائن الذي يحنو أحيانا، ويقسو أحيانا، أو لا يبالي. أحداث كثيرة شيقة تنتظرنا في هذه القصة، والتي تسلط الضوء على نعام الصحراء العربية الذي عاش فيها فترة طويلة قبل أن ينقرض منها بسبب الصيد اللامحدود له.
الكاتب: عباد ديرانية
عبّاد ديرانية هو كاتب ومترجم. كتب عبّاد لمجلات ومنشورات منها “إم آي تي تكنولوجي ريفيو” العربية و”العِلْم للعموم” و”الكون” و”السبيل”، وللموسوعة التطوعية “ويكيبيديا”. وهو مؤلّف كتابين رقميَّيْن: “حكاية ويكيبيديا” (2017، كتب عربية حرّة) و”فن الترجمة والتعريب” (2021، أكاديمية حسوب). عبّاد شغوفٌ بالكتابة الإبداعية، فهو حاصلٌ على درجة بكالوريوس في الأدب الإنكليزي، ويرى بتجربته نقصًا هائلًا في أسلوب ومستوى القصَّة العربيَّة والتشويق والتجديد فيها، ما يجعلها عاجزةً عن منافسة الأدب العالمي المترجم، والذي يطغى على اهتمام القرّاء العرب. لعبّاد روايات عِدّة بمرحلة المسودّة يسعى لنشرها حاليًا، وبعض القصص المنشورة على الإنترنت.