مخيلة ضمير
تأليف: أحمد حافظ | الدولة: مصر
حدث يومًا أن عاد صاحبي إلى المنزل متأخرًا على غير العادة، دخل الغرفة حيث كنت وأغلق الباب بسرعة كما يغلق الهارب من الجحيم بابها وراءه. أدار ظهره للباب مستندًا عليه، لم تقع علامات غبطة وسرور على وجه إنسان كالتي رأيتها على وجهه آنذاك، وكاد أن يخلع قميصه ويرقص بكوميدية على الموسيقى، أو لعله فعل ذلك فعلًا، أمسك بقوائمي الأمامية بيديه، حاولت جذبهما، لكنه رفعهما وأخذنا نتمايل كرقص البشر، رفعني وهوى على السرير بي، كان في حالة بريئة من النشوة، صاحبها نوم سريع، عميق، حتى لا يفسد أحد ما فرحته النادرة، حررت نفسي منه ومن فوق السرير قفزت إلى الكرسي دون أن يشعر بأي اختلاف، وحاولت أن أنام، وقبل أن أقفل عيني تأملته، إنها مرات قليلة التي رأيته بها مسرورًا، ومرة واحدة فقط رأيته بهذا الحبور.
بعد ساعة استيقظت وحاجتي للذهاب إلى الخلاء تزداد، أدرت بؤبؤ عيني في الغرفة المظلمة؛ أراها بوضوح، قمت للباب أحاول أن أفتحه، فلم يسفر ذلك سوى عن صوت حفيف لخربشتي، فقصدت صاحبي أسأله، فقلت:
- هلا قمت وفتحت لي الباب أيها الأحمق الموهوم، لكنه لم يسمعني فكررت كلامي بألفاظ أغلظ، وقربت رأسي إلى رأسه فزفرت في أذنه، فأمسكني لما تنبه ورمى بي في الهواء حتى ارتطمت بالدولاب فانزلقت حتى الأرض بفعل الجاذبية وعمدت له مرة أخرى فرُميت إلى الدولاب مرة أخرى وانزلقت إلى الأرض ببطء أكثر، وأثار غضبي أنه قذف بي كما تقذف الفطائر فتلتصق بالسقف، وانزلقت إلى الأرض كما الحلزون يمشي متكئًا على سوائله الدبقة، عمدت مرة أخيرة إلى ذات الأذن البشرية فصببت فيها من الشتائم ما لا يستحب ذكرها هنا، فقام مترنحًا حتى وصل للباب ففتحه، ولولا أني وجدت صندوقي معدًّا، والرمال فيه ذهبية جديدة لا شية فيها لكانت سجادة غرفة الطعام متسخة إلى الآن، رجعت إلى الغرفة لأعاود النوم ولم يكن في حسباني أي شيء، لكني حين دخلت راعني أن رأيت صاحبي غارقًا في دمعه، عائدًا إلى ألمه، يكاد أن ينتحب لولا صلابة صمته، كان ممسكًا هاتفه ناظرًا فيه، وكانت عينه مثبته على الشاشة، و الدمع على حدقته المصمتة يتحرك مع تحرك أصابعه فوق الشاشة بعصبية، فهنالك فهمت أن ما أحزن صاحبي اليوم هو ذاته ما أسعده في أمسه، وهو ما جعله يمتنع عن هاتفه حتى لا يأتيه منه ما يسوءه، هذا الفرار الطفولي من الألم متأصل في شخصية كل آدمي؛ فكلما زاد التكالب على السعادة الزائلة كلما زاد الكرب حين زوالها، لكن الإنسان لا يتعلم، فرغم أنهم أكثر الأنام بحثًا عن الحق، إلا أنك ترى أكثرهم يخافون الحقيقة ويتجنبونها ولا يبحثون، ونفوسهم تامة الصفاء، وها هو صاحبي قد غفل عن شيء في نفسه لم يأخذه في الحسبان، ولعل ذلك برهان على فشل الإنسان المحقق في تبيُّن المستقبل رغم معرفته بالمقدمات، ولعلها نائبة أصابته ليتعلم درسًا؛ ألّا يغلق باب الغرفة عليَّ دون أن يترك لي بعضًا من طعامي المجفف.
أشرقت شمس اليوم التالي كما لم تطلع شمس من قبل، ورغم أن ضجيج البشر ذلك اليوم اختفى، إلا أنّني استيقظت على صوت شخص يتحرك جيئة وذهابًا فوق رأسي، كأنها خطوات تبحث عن شيء، تنهدت وتمددت وملأت فمي بالهواء وأنا أتثاءب، وصاحبي يدور بعصبية بين غرف المنزل، لكنه لم يجد غير المنزل، الكل غادر أو اختفى، وقفنا بالشرفة نبصر الشارع من الطابق الرابع، فلم نر سوى الشارع، لم يغادر الناس المكان بل اختفوا، ترى أين ذهبوا؟ هذا السؤال بالتأكيد سأله صاحبي لنفسه؛ لأنه لا يعلم أنه انتقل إلى عالم آخر ليلة البارحة، ولعله نقلني معه وهو لا يدري لأصبح رفيقه، فأروي ما سيحدث، بدا لي أننا انتقلنا إلى عالم من صنع أحلامه، أو هي رغبته لشيء قد انبرت تخلق واقعًا جديدًا، إن البشر حينما يقابلون واقعًا لا يقبلونه، يتهربون منه وينكرونه، بل ينتقلون للعيش بآخر يحبونه.
ولأنه كان لا يدري من أمره شيئًا، سعى إلى هاتفه أولًا، فاتصل بعدة أرقام بعضها كان مشغولًا عنه وبعضها الآخر لم يحّرر جوابًا، ومع كل اتصال كان فزعه يزداد، ثم هرع إلى التلفاز في الثانية، فلم يجد أيًّا من تلك البرامج التي تذاع على الهواء لساعات طوال، لم يجد سوى تسجيلات معادة للبرامج والأفلام ونشرات الأخبار التي يعاد نشرها بتلقائية، أما الإنترنت فلم يأت بأي جديد، فكأنما نُزع الناس من أماكنهم نزعةً واحدة.
دار بخاطر رفيقي القليل من الأفكار، أهمها أن ينتحر حتى ينقطع عنه الفكر، وقد صارحني بذلك حين كنت جالسًا بقربه، لكنه قرر ألا يستسلم، أودعني بقفصي البلاستيكي ونزلنا الشارع بحثًا عن إنسان، كانت الشمس الجديدة تمد الرصيف بأشعة منيرة سالمة من أي حرً أو سوء، فهي ليست شمسنا العادية ترسل لنا قيظًا وأذى فترة الصيف، بل هي مثالية كما أي شيء هنا في العالم الجديد، السيارات كلها ثابتة على جانبيِّ الطريق، بعد أن خلت الأرض تحتها من العلائق والأتربة، سرنا حتى الناصية، كانت أول مرة أرى فيها مدينة أشباح بوَضح النهار.
قال صاحبي في نفسه:
- لو تبقى إنسان لا بد أن يذهب إلى هناك.
فاحتجنا إلى سيارة لنذهب إلى (هناك)، فهمَّ صاحبي يفتح أول سيارة فلم تفتح، والثانية كذلك، كنت أتساءل إن كان يعرف ماهية القيادة، وكيف لا وهذا العالم مثالي، وجدته يلتقط من الأرض آخر قطعة حجر، وضعت هنا لهذا الغرض، فلما تهشم الزجاج الخلفي للسيارة سهُل علينا ركوبها، فكان مقصدنا المركز التجاري الأكبر في المدينة، وكان جُلُّ تفكيره في ملجأ يلبي لنا حاجياتنا من الغذاء والإيواء، علمت حينها لماذا أطفأ صاحبي أنوار البيت قبل أن نغادر، إنه يشعر بأن الطاقة ستنفد لا محالة، وهذه آلية دفاعية عند البشر، فحينما رشّدَ في استهلاك الطاقة أزاح شعوره بالمسؤولية تجاه العالم، كم هو مثالي، كم هو سخيف.
نفد منا الوقود في الطريق، فارتجلنا لدنو المسافة، ووجدنا أحد الأكشاك بالجوار، ولم أكن بعد تناولت طعام الإفطار، فتوقفنا عنده بناءً على طلبي، فوضع لي ما ييسر عليَّ هضمه من أطعمة البشر المغلفة، وقد أملى عليه شعوره بالواجب ألّا يلقي بأيٍّ من تلك الأغلفة على الأرض، لكن حملها في يده حتى أودعها بسلة مهملات أمام المركز التجاري، ولما دخلنا أخرجت من القفص، ولم يكن لي غير رفيقي نبراسًا في هذا المكان المتسع؛ فلاصقتُه الخطى أينما ذهب.
ومررنا بقسم الأثاث فكانت الأريكة الداكنة مغرية للنوم والاستلقاء، وكسوتها البلاستيكية مازالت جديدة تثَّقف مخلبي كلما مططته فيها، ولم يمر وقت قليل حتى ملأتُ الكسوة ثقوبًا كثيرة، أما صاحبي فلم يستطع إلا أن يخرج عن ثوب الجد أمام هذا المكان اللامتناهي؛ فالرفوف تحوي كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، من مأكل ومشرب ومتاع، وارتدى ملابس رياضية مريحة تسهل الحركة وطرح ثوبه الذي أتى به من البيت إلى هنا، فشرع يلهو، وجاءني ومعه فانوس صغير يخرج منه خيطًا من نور مختلفٌ أضواؤهُ، ولم أقاوم وبقعة الضوء على الأرض مشاعة بيننا، فتبعت الخيط وصاحبي ممسك به، فيجري هو، وأنا أجري وراء الخيط، حتى وصل بي التعب منتهاه بينما أحس هو أن العرق لا يجوز أن ينزل في اللهو.
وجدته يسند ظهره للحائط وهو مجالس الأرض، رجع برأسه للخلف ورجع معها الكدر والقلق، كما لو أنه باخعٌ نفسه على قليل الهزل الذي حظينا به في حين أننا نواجه كارثة غير مسبوقة، ضمني إليه وقال بحنان:
- أنتِ آخر من تبقى لي يا صغيرتي.
قلت:
- أنا أتفهم أننا لم نسمع يومًا عن أن إنسانًا قد استيقظ صباحًا فلم يجد غيره، لكن أرجوك، أنا ذكر وأعيش معك منذ أكثر من عام، أنت أحمقٌ لا محالة.
قال:
- كفي عن المواء، هيا بنا.
بعد هنيهة تحولنا راجعين، نظرتُ من بعيد أبحث عن موضعي الأول فوق الأريكة، حيث الثقوب على الكسوة الشفافة، ميزتُ موضعي من بعيد بسهولة، فقد كانت آثار خربشَتي تحظى بمراقبة دقيقة من فتاة بشرية تجلس على الأريكة، منعت الصدمة أيًّا منا عن أن يعبر بكلمة، غير همهمات خرجت عفوية من صاحبي بعد حين، ولما سَمعتها الفتاة حولت نظراتها الفاحصة من فوق آثاري إلينا، فإذا هي نظرات حادة شاخصة، لكنها فزعت فرجعت خطوتين للخلف، فوقفت، فإذا هي فرعاء بيضاء، ميادةٌ لا شرقية ولا غربية، وبدى ذلك على صاحبي بأثر بالغ، ولكن ما أصابه من الدهشة قبل ذلك قد طغى على أي شيء آخر أتى أو سيأتي، ضحكت كثيرًا عندما كان يحاول التقرب منها وهي تتراجع خوفًا من صمته، إلى أن قطع الصمت وقال :
- أخيرًا وجدنا إنسانًا!
قالت متلعثمة:
وهل معك أحد آخر؟
- نعم، ربما، هرتي معي.
ناديت فيها بكلمة ترحاب، فلم تجب، كان رفيقي فزعًا أشد الفزع وهو يتفاوض معها:
- حسنًا، أنا أيضًا لا أعلم كيف حدث هذا، فقط فلنجلس هنا ونتحدث.
كان يشير إلى مقعدين بينهما طاولة من البلاستيك، فجلست هي ويدها المرتعشة تسحب الكرسي، منذ حينها لم يعد هو رفيقي ولا صديقي، بل انصرف عني تمام الانصراف، حتى الفوضى التي سببتها بعدها ببضعة أيام لم يأبه بها، قال:
- مهلًا، سأعود انتظري.
عاد ومعه دفتر من الرف وقلمان، جلس معها ولم يزل اضطرابه إلا عندما تحول ببصره إلى مركز بصرها، تحملقا وتحذلقا، إن الحب العذري عند البشر لمقزز، وجدتهما يغوصان في أعماق بعضهما فلم أكلف بهم ورجعت أنا لأريكتي القريبة؛ لأغفو، ولم أستفق إلا وهو يكتب في الدفتر ويقول:
- هذه هي المهام التي سنقوم بها اليوم.
قاما، فانزوى كل منهما إلى جانب من المكان لتكون له كالغرفة، وحظي كل جانب بسرير مضجعًا، وخزانة مُلئت ثيابًا من كل الألوان، وكان الطعام يومها مطهيًّا على سخان يعمل بالكهرباء، كانت هي من طبخت كل شيء، في حين أنه جلس بجانبي لنتأملها، ولما ميلت نظري إليه وجدته متعلقًا بها، يقال إن الإنسان قد يفقد شخصًا فيشعر أن العالم قد خلا من البشر من بعده، لكنه إذا فقدها فسيكون هذا حقيقيًّا فعلًا، كم هذا رائع.
لم يكن لمراهقة في السابعة عشر أن تتقن الطبخ، فكل ما طُبخ كانت أطعمة نصف جاهزة، غير أن الرائحة أسرعت لتبلغني أنها تطبخ الأطعمة كما أحب، وقد تأكد النبأ حين أكلنا، مرت ثلاثة أيام على ذات الحال وأنا أراقب الحال بينهم وكنت أسأل:
- إلى متى تتأجل اللحظة؟ في الأيام الثلاث الأولى لم يكن بينهم سوى القبول الجبري، غير أن الود قد اشتد من حينه وأخذ موضعه منهما، ولم يقربا بعضهما إلا في حدود الهزل، إلى أن قال:
- إننا آخر اثنين.
كانت مفاجأة متوقعة؛ لأن الضمير البشري مهما كانت صلابته يعتمد على وجود الغير وليس وجود الذات، وها هو شعوره بالمسؤولية تجاه تصرفاته ينسحق أمام مثل تلك اللحظة، وهي أيضًا انسحقت أمام نفسِها لما انفكَّ اللجام، وكانت الأريكة ملائمة، فأخذتهم عليها أمامي ثلاثة أيام شبقة، في أولها كانت مضطربة خجولة، وفي ثانيها كانت جائحة جسورة، وفي ثالثها كانت مُحبة عطوفة، هكذا انقضى اليوم السادس دون أن أفهم كيف استحالت اللذة عند البشر إلى ما يسمونه حبًّا، لو رأى الخراب الذي حل بقسم أطعمة الحيوانات، والأكل المجفف المتجمع تحت العلب الممزقة، لما تلاهى عني مع هذه الفتاة الآدمية، ولما فرغوا في اليوم السابع من عملهم الذي عملوه، جلسوا فاستراحوا، جلسا في عراء الباحة أمام باب المركز، لفح وجهه الشعر الطويل الآتي من شرقه، قالت باسمة:
- إذن، هلا أخبرتني مرة أخرى ماذا كان اسمك؟
- أي شيء، لن يفرق، لم تعد للأسماء أهمية الآن، أتعرفين؟ أعتقد أنني قد عرفتك قبل الآن.
- تعتقد؟ أيشاء الله أن يفنى البشر أجمع إلا اثنين، فيجتمعا صدفة، فيقول أحدهم للآخر إنه يشعر كما لو أنه التقى به من قبل؟
- لا أدري يا ريم، لكنني لا أشعر أنها صدفة، فأنتِ مناسبة جدًّ لي.
- أنت لم تتغير! لازلت لا تفكر إلا في نفسك.
- وفي ماذا عليَّ أن أفكر؟
- لا عليك يا أيمن.
توقف الحوار وكلاهما يشعر بشيء من الاستفزاز، ثم دار آخر، فكانا يتسألان عن المستقبل، وكان جُلّ تفكيره عن الغذاء، قال:
- لنزرع بعض الأشجار.
- وما الحاجة وعندنا طعام يكفينا طوال النهار وكل الأيام.
- كُل الطعام سيفسد بعد عام أو بعض عام، والأعقل أن نستعد للقادم.
بدا كلامه منطقيًّا، فقد كان أمام المركز سجادة ممتدة من اللون الأخضر، لا ينقصها إلا غرس بعض الشجيرات حتى يتم جمالها، وصحيح أنني لا أميز الألوان، لكن الحوار تطرق إلى حال أخرى، فقالت شيئًا غريبًا:
- متى ننجب أطفالًا؟
- ما الحاجة للهم ونحن أبناء اليوم وكل يوم، لقد وهبتنا الحياة بضعة أعوام سعيدة، فلِمَ العجلة في إفسادها؟
- إنه واجب علينا؛ أن نعيد البشرية من جديد، فنكون حواء وآدم مرة أخرى.
- الواجب! لقد عشت كل أيامي السابقة وأنا أتحرى المسؤولية في أفعالي تجاه الآخرين، وأنتِ تريدين مني أن أضحي مرة أخرى من أجل أشخاص لم يُوجدوا بعد.
- إنك لا تشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين لأنك قوي، بل لأنك ضعيف أمامهم فتسعى لخدمتهم لأنك تخشى ألا يتقبلوك.
- لماذا تتحدثين معي هكذا؟ من أنتِ؟!
- أنا ضميرك.
تركها وقام غاضبًا، ولم تُحرك هي ساكنًا، فعمدت إلى جوارها فإذا هي تحملني إليها، نظرتُ إلى الوجه البشري الماثل، وكان يغطيه زجاجتان دائريتان تحتهما شيء من كلف، فقلت لها:
- مياو.
- ليس عليك أن تتحدث هكذا.
- وهل ستفهم آدمية مثلك حين أتحدث هكذا؟
- نعم، فما أنا إلا فرصة أخرى أتيحت لرفيقيك، وها هو قد فرط فيها.
- لا تقولي رفيقي، وهل كان له فرصة أولى؟
- كنت أنا أيضًا الفرصة الأولى، وحين خسرها حَزِن، وشعرت بالذنب حياله، فرجعتُ له مرة ثانية، لكنه كما ترى فشل مرة ثانية.
- لكن هذا العالم كله، أليس من صُنع مخيلته؟
- بل من صنع مخيلتي، وقد أنسيته ما عرفه عني في حياته السابقة، وهو لا يعرف أي شيء عن هذا العالم.
- ظننت أنه صنع هذه الحياة تحقيقًا لأحلامه.
- ليس هناك سوى حلم واحد، وهو رغبتي في أن أكفي نفسي ألم الشك ليس إلا.
- مهلًا مهلًا، عن أي ألم تتحدثين؟
- لقد كنت أعرف أيمنَ في السابق، لكننا لسبب ما لا أذكره هنا تفرقنا، وعندما وجدته قد حزن وندم خلقت هذا العالم لأمتحن صدقه.
- ولكن ماذا عني؟
- أنت أيضاً من تخيلي، فقد حكى لي أيمن عنك سابقًا، وقد اخترتك لتؤنسه هذه المدة، ألم تلحظ أن الشعر لا يتساقط منك كما العادة، أنت هنا ذكي، نضر، مضحك؛ هذا لأني تخيلتك على صورة حسنة، أما هو فأبقيته على صورته الأولى، والحق أنني أشعر أني ظلمته حينما أعطيت صورته عندي فرصة ثانية، بدلًا من أن أعطيه هو بذاته.
- لستِ إلا واهمة، فأنتِ تفعلين ذلك إراحة لضميرك وتكفيرًا لذنبك.
- على أي حال، هذه المدة على وشك الانقضاء، فقد أتممت ما جئت لأجله، وسوف أرحل الآن، فهل تريد المجيء معي؟
لم أجد بدًّا من الموافقة، فقلت:
- لنرحل، فحملتني ومشينا في رحلة إلى حيوات أخرى.